يقول الله تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما" "الإسراء آيتان 9- 10".
إذا كان الله تعالى، الذي خلقنا لنعبده، بدليل قوله عز وجل "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" "الذاريات آية 56" يمدح كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم– وهو القرآن– بأنه يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل ويبشر المؤمنين به، الذين يعملون الصالحات على مقتضاه "أن لهم أجرا كبيرا" يوم القيامة، كما يبشّر "الذين لا يؤمنون بالآخرة" أنه ينتظرهم عذاب أليم يوم القيامة، فإن في الآية تحذيرا للمسلمين حتى لا يقعوا فيما وقع فيه من سبقهم حين خالفوا سنن أسلافهم من عهد نوح.
وكما يقول سماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور "جاءت هذه الآية "من سورة الإسراء" تنفيسا عن المؤمنين من أثر القصص المهولة التي قصت على بني إسرائيل وما حلّ بهم من البلاء، مما يثير في نفوس المسلمين الخشية من أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك؛ فأخبروا بأن في القرآن ما يعصمهم عن الوقوع فيما وقع فيه بنو إسرائيل، إذ هو يهدي للطريق التي هي أقوم مما سلكه بنو إسرائيل، ولذلك ذكر مع الهداية بشارة المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ونذارة الذين لا يؤمنون بالآخرة" مع الإشارة إلى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة هم المشركون أعداء المؤمنين الذين ك*وا بالإسراء.
إذا كان كما قلت بأن القرآن يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل، فلماذا لا يتدبرونه؟ وقد لاحظ الله تعالى ذلك في قوله عز وجل "أفلا يتدبرون القرآن"؟ "النساء آية 82" خصوصا وقد صرّف وضرب فيه "من كل مثل" فقد قال رب العالمين "ولقد صرّفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا" "الإسراء آية 89" وقال جل وعلا "ولقد صرّفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا" "الكهف آية 54".
وقال سبحانه وتعالى "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون، كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون" "الروم آية 58- 59" وقال رب العزة خالقنا "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلّهم يتذكرون، قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلّهم يتقون" "الزمر آيتان 27- 28".
أبَعد كل هذا ما زال الناس يترددون؟ هل بقيت بعض العقول لم تتطهر من أمور جاهلية؟ فمن الأكاذيب التي ذكرتها بعض التفاسير حول قول الله تعالى "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" "الأحزاب آية 4" تسمية عدد من الذين كان لهم قلبان، ويقصدون بذلك عقلين لأنهم يحسبون أن الإدراك بالقلب، والقلب محل العقل؛ فعظموهم لدهائهم كجميل بن معمر، ويقال إن ابن أسد بن حبيب الجمحي الفهري، الذي كان داهية وقوي الحفظ، كان له قلبان يعملان ويتعاونان، فيدعونه ذا القلبين يريدون العقلين، يحسبون كما ذكرت أن الإدراك بالقلب والقلب محلّ العقل؛ وقد ركبه الغرور وغيره مثله، ونفت الآية الكريمة ذلك وكذّبت هذا المعتقد الخاطئ.
ولهذا كان أشفى علاج للمؤمن ذكر الله سبحانه وتعالى إذ قال عز وجل "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" "الرعد آية 28" لكن ليس مجرد ذكر الله فقط، بل أيضا طاعة الله ورسوله وأولي الأمر كما وضح ذلك رب العالمين "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" "النساء آية 29".
فالله خلقنا لنعبده ونطيعه، والرسول عليه الصلاة والسلام نطيعه لأنه هو الذي بلّغ رسالة الله، ولا يتلقى أمر الله إلا منه، وهو منفذ أمر الله بنفسه؛ فطاعته طاعة تلقّ وامتثال "ما على الرسول إلا البلاغ" "المائدة آية 99" أما طاعة أولي الأمر فلأنهم ينفذون ما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس كافة؛ فطاعتهم طاعة امتثال