إنّ مِن نِعَمِ الله على هذه الأمَّـة أن تتوالَى عليها مواسِم الْخَيْرَات ،
وتتابَع عليها مِنَح العبَادات
وللعِبَادة أهميَّة في حياة الإنسان عموما ،
فالإنسان مُحتاج إلى الصِّلَة بِرَبِّـه مَع كُلّ نَفَس ..
وتَكْمُن أهمية العَمَل الصَّالِح في مسائل كثيرة ، منها :
1 – عُلُوّ المنازل في الجنة ..
وإنما تَعْلُو مَنَازل المؤمنين في الْجَنَّـة بِقَدْر أعمالهم ..
(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ..
قال القرطبي في تفسيره : أي : وَرِثْتُم مَنَازِلَها بِعَمَلِكُم ،
ودُخُولُكم إيّاها بِرَحْمَة الله وفَضْلِه .
وقال ابن كثير في تفسيره : أي :
بِسَبَبِ أعْمَالِكم نَالَتْكُم الرَّحْمَة فَدَخَلْتُم الْجَنَّة ،
وتَبَوّأتُم مَنَازِلَكُم بِحَسَب أعْمِالِكم ،
وإنّمَا وَجَبَ الْحَمْل عَلى هَذا لِمَا ثَبَت في الصحيحين
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
واعْلَمُوا أنّ أحَدَكم لَن يُدْخِله عَمَلُه الْجَنَّة .
قَالوا : ولا أنْت يا رسول الله ؟
قال : ولا أنا إلاَّ أن يَتَغَمَّدَني الله بِرَحْمَةٍ مِنه وفَضْل .
وقال في قوله تعالى :
(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
: أي : أعْمَالُكم الصَّالِحَة كانت سَبَبًا لِشُمُول رَحْمَة الله إياكم ،
فإنه لا يُدْخِل أحَدًا عَمَلُه الْجَنَّة ،
ولَكِن بِفضلٍ مِن الله ورَحْمَته ،
وإنّمَا الدَّرَجَات تَفَاوتها بَحَسَب عَمَل الصَّالِحَات . اهـ .
وفي الحديث :
إنَّ أهْل الْجَنَّة يَتَرَاءَون أهْل الغُرُف مِن فَوْقِهم
كَمَا تَتَرَاءَون الكَوْكَب الدُّرِّي الغَابِر في الأُفُق
مِن الْمَشْرِق أوْ الْمَغْرِب ، لِتَفَاضُل مَا بينهم .
قالوا: يا رسول الله تلك مَنازل الأنبياء لا يَبْلُغُها غَيرهم ؟
قال : بلى والذي نفسي بيده ،
رجال آمَنوا بالله وصَدَّقُوا الْمُرْسَلِين . رواه البخاري ومسلم .
2 – الدُّخُول تَحْت رَحْمَة أرْحَم الرَّاحِمِين ..
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)
3 – النَّجَاة مِن الْخُسْرَان الْمُبِين ..
تأمّل سورة العصر .. (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))
. تَجِد أنّ الله عَلَّق الفَلاح على الإيمان به وعلى العمل الصالح ..
والعَمَل الصَّالِح سَبَب في النَّجاة في الدّنيا قبل الآخِرَة ..
ولعلّك على ذِكْرٍ مِن قِصَّة الثلاثة الذين آواهم الْمَبِيتُ إلى غار ..
فَدَعَوا الله بِصالِح أعمالِهم فَفَرَّج الله عنهم .
والقصّة مُخرَّجة في الصحيحين .
4- الرِّفْعَة في الدُّنيا وفي الآخرة بالعمل الصَّالِح ..
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
وقال عليه الصلاة والسلام : إنَّ الله يَرْفع بهذا الكتاب أقْوامًا ،
ويَضَع بِه آخَرِين . رواه مسلم .
والعناية بالعَمَل الصَّالِح أمْـرٌ قد أهَـمّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ..
فقد كان السؤال عمّا يُبَاعِد مِن النار ، ويُقرِّب مِن الجنة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لِرَبِيعَة بن كَعْب الأسلمي :
سَل . قال : فقلت : أسْألك مُرَافَقَتك في الجنة .
قال : أوْ غَير ذَلك ؟
قلت : هو ذاك . قال : فأعِنِّي على نَفْسِك بِكَثْرَة السُّجُود . رواه مسلم .
وثمّة أمْرٌ آخر أهمّ الصَّالِحين .. ربما أكْثَر مِن العَمَل، ألا وهو قَبُول العَمَل ..
لَمّا نَزَل قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)
قالت عائشة : يا رسول الله !
أهُو الذي يَسْرِق ويَزْنِي ويَشْرَب الْخَمْر ، وهو يَخَاف الله ؟
قال : لا يا بِنْت الصِّدِّيق . ولكنه الذي يُصَلي ويَصُوم ويَتَصَدَّق ،
وهو يَخَاف الله عز وجل . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
وفي رواية للترمذي : ولكنهم الذين يَصُومُون ويُصَلُّون ويَتَصَدَّقُون ،
وهم يَخَافُون أن لا يُقْبَل مِنهم (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) .
ولَمَّا جاء سائل إلى ابن عمر ،