بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإعــــــتكـاف
تعريفه:
هو لزوم المسجد بنية مخصوصة ، لطاعة الله تعالى : وهو مشروع مستحب باتفاق أهل العلم ،وقال الزهري رحمه الله : ( عجباً للمسلمين ! تركوا الاعتكاف ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل )
فائدة الاعتكاف وثمرته :
إن في العبادات من الأسرار والحكم الشيء الكثير ، ذلك أن المدار في الأعمال على القلب ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) رواه البخاري ( 52 ) ومسلم ( 1599 ) .
وأكثر ما يفسد القلب الملهيات ، والشواغل التي تصرفه عن الإقبال على الله عز وجل من شهوات المطاعم ، والمشارب ، والمناكح ، وفضول الكلام ، وفضول النوم ، وفضول الصحبة ، وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب ، وتفسد جمعيته على طاعة الله ، فشرع الله تعالى قربات تحمي القلب من غائلة تلك الصوارف ، كالصيام مثلاً ، الصيام الذي يمنع الإنسان من الطعام والشراب ، والجماع في النهار ، فينعكس ذلك الامتناع عن فضول هذه الملذات على القلب ، فيقوى في سيره إلى الله ، وينعتق من أغلال الشهوات التي تصرف المرء عن الآخرة إلى الدنيا .
وكما أن الصيام درع للقلب يقيه مغبة الصوارف الشهوانية ، من فضول الطعام والشراب والنكاح ، كذلك الاعتكاف ، ينطوي على سر عظيم ، وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة ، فإن الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال ، فيصير شأنها شأن التخمة بالمطعومات لدى الإنسان ، كما قال الشاعر :
عدوك من صديقك مستفاد ***** فلا تستكثرن من الصّحاب
فإن الـــداء أكثر ما تـــراه ***** يكون من الطعام أو الشراب
وفي الاعتكاف أيضاً حماية القلب من جرائر فضول الكلام ، لأن المرء غالباً يعتكف وحده ، فيُقبل على الله تعالى بالقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء ونحو ذلك .
وفيه كذلك حماية من كثرة النوم ، فإن العبد إنما اعتكف في المسجد ليتفرغ للتقرب إلى الله ، بأنواع من العبادات ، ولم يلزم المسجد لينام .
ولا ريب أن نجاح العبد في التخلص من فضول الصحبة ، والكلام والنوم يسهم في دفع القلب نحو الإقبال على الله تعالى وحمايته من ضد ذلك .
الجمع بين الصوم والاعتكاف :
لا ريب أن اجتماع أسباب تربية القلب بالإعراض عن الصوارف عن الطاعة ، أدْعى للإقبال على الله تعالى والتوجه إليه بانقطاع وإخبات ، ولذلك استحب السلف الجمع بين الصيام والاعتكاف ، حتى قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطراً قط ، بل قالت عائشة : ( لا اعتكاف إلا بصوم ) أخرجه أبو داود ( 2473 )
ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم ، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم .
فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف : ( أن الصوم شرط في الاعتكاف ، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية ) زاد المعاد 2/87،88