علـم الغـيب
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .. وبعـــد :
فإن الله بعث محمداً هادياً ومرشداً ، وبعثه بالإسـلام ديناً كاملاً ، وأنزل عليه القرآن كتاباً قيماً ، وجعل للإنسان عقلاً به يتدبر ويفكر ، لكن الله عز و جل جعل العلم الذي أعطاه للخلق قليلاً .
واستأثر سبحانه بعلم الغيب له وحده ، فقال سبحانه : ) وعنـده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( [ الأنعام : 159 ] ، وقال سبحانه : ) قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ( [ النمل : 65 ] ، وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تنفي علم الغيب عن سائر الخلق ، وتثبتها لله وحده سبحانه .
? الملائكة لا يعلمون الغيب !!
فالملائكة لا يعلمون الغيب ، ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالي : ) وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( [ البقرة : 31 ، 32 ] . فالأسماء التي تعلمها آدم صارت عنده شهادة ، ولكن الملائكة لا تعلمها .
لأن الملائكــة لا تعلم الغيب .
? الجن لا يعلمون الغيب !!
والجن لا يعلمون الغيب ، فالجن كانوا يعملون لسليمان عليه السلام في الأعمال الشاقة ، قال تعالي : ) يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ( [ سبأ : 13 ] ، وهو واقف أمامهم متكئ علي عصاه ، وبينما هم يعملون وقد أضناهم العمل ؛ إذ قبض الله روح سليمان عليه السلام وهو قائم ، والجن لا تعلم أنه قد مات ، وكلما نظروا فوجدوه قائما اشتدوا في عملهم المضني ، خوفا من سليمان فلا يستريحون ، حتي بعث الله دابة الأرض تأكل منسأته ، فلما ضعفت عصاه عن حمله تكسرت ، وخر سليمان علي الأرض ، قال تعالي : ) فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( [ سبأ : 14 ] .
فالجن لا يعلمون الغيب ، بينما الملائكة التي قبضت روحه تعلم بموته ، فكان موت سليمان لهؤلاء الملائكة معلوما ، وللجن مجهولاً .
? الأنبيـاء لا يعلمون الغيب !!
والأنبياء لا يعلمون الغيب ، فكل من إبراهيم ولوط جاءتهم الملائكة في صورة بشر ، فلم يعلموا أنهم ملائكة .
أما إبراهيم عليه السلام فذبح لهم عجلاً وأنضجه وقربه إليهم ، فلما لم يأكلوا خاف منهم ، فأخبروه أنهم ملائكة أرسلهم الله تعالي إلي قوم لوط قال تعالي : ) ولقد جآءت رسلنا إبراهيم بالبشري قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جآء بعجل حنيذ * فلما رءآ أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلي قوم لوط ( [ هود : 69 ، 70 ]
و أمــا لوط فضاق بهم ذرعاً ، وعجز عن الدفاع عنهم لما جاءه قومه مسرعين يريدون بهم الفحشاء ، قال تعالي : ) ولما جآءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب * و جآءه قومه يهرعون إليه ... إلي آخر الآيات ( [ هود : 77 - 80 ] ولم يعرف لوط عليه السلام أنهم ملائكة حتي أخبروه ، قال تعالي : ) قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ( [ هود :81 ] .
? الأوليـاء لا يعلمون الغيب !!
والأولياء لا يعلومن الغيب ، فعائشة رضي الله عنها وأبوها رضي الله عنه أولـي أوليـــــــاء هـذه الأمـة ، فلما وقعت حادث الإفك لم تعلم عائشة بما قاله الناس ، حتي أخبرتها أم مسطح ، ولم يعلم ابوبكر حقيقة الأمر حتي نزل القرآن علي رسول الله r ببراءة عائشة رضي الله عنها .
? إن الشيطان يدفع الإنسان ليبحث عن الغيب ، ويضله بأن ينسب علم الغيب لغير الله ، فتجد من الناس من يدعي علم الغيب ، ومن الناس من ينسب علم الغيب للنجوم ، وقد تكتب الصحف حظك هذا اليوم تدعي بذلك علم الغيب ، ومن الناس من يزعم أن القدر المكتوب علي العبـد يمكن معرفته بقراءة الفنجان ، أو الكف ، أو معرفة القدر المكتوب بالعبث بالمسبحة ، وقد يصور الشيطان لكثير من الناس الاستخارة بالمصحف بفتحه مرة أو مرتين أو أكثر ويقرأ يمين الصفحة أو يسارها ، أعلاها أو أسفلها أو في وسط الصفحة ، ويزعم أنها تتحدث عن قدره المكتوب له ويؤولها بهواه ، أو بما يوحيه إليه الشيطان ..... كـل ذلك يريد أن يعلم الغيب .
? هـذا وتصديق الناس للكهان والعرافين قد حذر منه الشرع الحنيف ، بل حذر من مجرد إتيانهم ولو بغير تصديق ، سواء كان للتجربة أو لغير تجربة ، لما أخرجه الامام مسلم في " صحيحه " عن بعض أزواج النبي r أنه قال : (( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة )) ، وفي حاله التصديق فقال r : (( من أتي حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل علي محمد )) أخرجه ابن ماجه والترمذي وأبوداود وصححه الألباني في " إرواء الغليل " برقم ( 2006 ) .
وقال r : (( ليس منا من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو سحر أو سحر له )) رواة الطبراني والبزار وصححه الألباني في " السلسة الصحيحة " برقم ( 2195 ) .